الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: 143] فكأنه قال في هذه الآية: هم أهل الصدق والشهادة على الأمم عند ربهم، وقال ابن عباس ومسروق والضحاك: الكلام تام في قوله: {الصديقون}. وقوله: {والشهداء} ابتداء مستأنف.ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاستئناف، فقال بعضها معنى الآية: {والشهداء} بأنهم صديقون حاضرون {عند ربهم}. وعنى ب {الشهداء}: الأنبياء عليهم السلام، فكأن الأنبياء يشهدون للمؤمنين بأنهم صديقون، وهذا يفسره قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41]. وقال بعضها قوله: {والشهيد} ابتداء يريد به الشهداء في سبيل الله، واستأنف الخبر عنهم بأنهم: {عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} فكأنه جعلهم صنفًا مذكورًا وحده، وفي الحديث: «إن أهل الجنة العليا ليراهم من دونهم كما ترون الكوكب الدري، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما».وقوله تعالى: {لهم أجرهم ونورهم} خبر عن الشهداء فقط على الأخير من الأقوال، وهو خبر عن المؤمنين المذكورين في أول الآية على الأقوال الثلاثة.وقوله تعالى: {ونورهم} قال جمهور المفسرين: هو حقيقة حسبما روي مما تقدم ذكره في هذه السورة. وقال مجاهد وغيره: هو مجاز عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى التي حصلوا فيها.ولما فرع ذكر المؤمنين وأهل الكرامة، عقب ذكر الكفرة المكذبين ليبين الفرق، فذكرهم تعالى بأنهم {أصحاب الجحيم} وسكانه.{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}.هذه الآية وعظ وتبيين لأمر الدنيا وضعة منزلتها و: {إنما} سادة مسد المفعولين للعلم بأنها تدخل على اثنين وهي وإن كفت عن العمل، فالجملة بعدها باقية. و: {الحياة الدنيا} في هذه الآية عبارة عن الأشغال والتصرفات والفكر التي هي مختصة بالحياة الدنيا، وأما ما كان من ذلك في طاعة الله وسبيله وما كان من الضرورات التي تقيم الأود وتعين على الطاعات فلا مدخل له في هذه الآية. وتأمل حال الملوك بعد فقرهم بين لك أن جميع نزوتهم {لعب ولهو}. والزينة: التحسين الذي هو خارج من ذات الشيء، والتفاخر: هو بالأنساب والأموال وغير ذلك والتكاثر: هو الرغبة في الدنيا، وعددها لتكون العزة للكفار على المذهب الجاهلي.ثم ضرب تعالى مثل الدنيا، فالكاف في قوله: {كمثل} في رفع صفة لما تقدم، وصورة هذا المثال: أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك فيشب ويقوى ويكسب المال والولد ويغشاه الناس، ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط، فيشيب ويضعف ويسقم، وتصيبه النوائب في ماله وذريته، ويموت ويضمحل أمره، وتصير أمواله لغيره، وتغير رسومه، فأمره مثل مطر أصاب أرضًا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق. ثم هاج: أي يبس واصفر، ثم تحطم، ثم تفرق بالرياح واضمحل.واختلف المتأولون في لفظة {الكفار} هنا، فقال بعض أهل التأويل: هو من الكفر بالله، وذلك لأنهم أشد تعظيمًا للدنيا وأشد إعجابًا بمحاسنها. وقال آخرون منهم: هو من كفر الحب، أي ستره في الأرض، فهم الزراع وخصهم بالذكر، لأنهم أهل البصر بالنبات والفلاحة فلا يعجبهم إلا المعجب حقيقة، الذي لا عيب له.وهاج الزرع: معناه: يبس واصفر، وحطام: بناء مبالغة، يقال حطيم وحطام بمعنى محطوم، أو متحطم، كعجيب وعجاب، بمعنى معجب ومتعجب منه. ثم قال تعالى: {وفي الآخرة} كأنه قال: والحقيقة هاهنا، ثم ذكر العذاب أولًا تهممًا به من حيث الحذر في الإنسان ينبغي أن يكون أولًا، فإذا تحرر من المخاوف مد حينئذ أمله. فذكر الله تعالى ما يحذر قبل ما يطمع فيه وهو المغفرة والرضوان. وروي عن عاصم: ضم الراء من: {رُضوان}. و: {متاع الغرور} معناه: الشيء الذي لا يعظم الاستمتاع به إلا مغتر. وقال عكرمة وغيره: {متاع الغرور} القوارير، لأن الفساد والآفات تسرع إليها، فالدنيا كذلك أو هي أشد. اهـ.
يريد: ومن يمدحه، وصديق من أبنية المبالغة.قال الزجاج: ولا يكون فيما أحفظ إلا من ثلاثي.وقيل: يجيء من غير الثلاثي كمسيك، وليس بشيء، لأنه يقال: مسك وأمسك، فمسيك من مسك.{والشهداء}: الظاهر أنه مبتدأ خبره ما بعده، فيقف على {الصديقون}، وإن شئت فهو من عطف الجمل، وهذا قول ابن عباس ومسروق والضحاك.إن الكلام تام في قوله: {الصديقون}، واختلف هؤلاء، فبعض قال: {الشهداء} هم الأنبياء، يشهدون للمؤمنين بالصدّيقية لقوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} الآية؛ وبعض قال: هم الشهداء في سبيل الله تعالى، استأنف الخبر عنهم، فكأنه جعلهم صنفًا مذكورًا وحده لعظم أجرهم.وقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة: والشهداء معطوف على الصديقون، والكلام متصل، يعنون من عطف المفرادت، فبعض قال: جعل الله كل مؤمن صديقًا وشهيدًا، قاله مجاهد.وفي الحديث، من رواية البراء: «مؤمنو أمتي شهداء»، وإنما ذكر الشهداء السبعة تشريفًا لهم لأنهم في أعلى رتب الشهادة، كما خص المقتول في سبيل الله من السبعة بتشريف تفرد به، وبعض قال: وصفهم بالصديقية والشهادة من قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس} {لهم أجرهم}: خبر عن الشهداء فقط، أو عن من جمع بين الوصفين على اختلاف القولين. والظاهر في {نورهم} أنه حقيقة.وقال مجاهد وغيره: عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى.{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب}: أخبر تعالى بغالب أمرها من اشتمالها على أشياء لا تدوم ولا تجدي، وأما ما كان من الطاعات وضروري ما يقوم به الأود، فليس مندرجًا في هذه الآية.{لعب ولهو}، كحالة المترفين من الملوك.{وزينة}: تحسين لما هو خارج عن ذات الشيء.{وتفاخر بينكم}: قراءة الجمهور بالتنوين ونصب {بينكم}، والسلمى بالإضافة.{وتكاثر} بالعدد والعدد على عادة الجاهلية، وهذه كلها محقرات، بخلاف أمر الآخرة، فإنها مشتملة على أمور حقيقية عظام.قال الزمخشري: وشبه تعالى حال الدنيا وسرعة تقضيها، مع قلة جدواها، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتهل، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات، فبعث عليهم العاهة، فهاج واصفر وصار حطامًا، عقوبة لهم على جحودهم، كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين. انتهى.وقال ابن عطية: {كمثل} في موضع رفع صفة لما تقدّم.وصورة هذا المثال أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك، فيشب ويقوى ويكسب المال والولد ويغشاه الناس، ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط، فينشف ويضعف ويسقم، وتصيبه النوائب في ماله ودينه، ويموت ويضمحلّ أمره، وتصير أمواله لغيره وتغير رسومه، فأمره مثل مطر أصاب أرضًا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق، ثم هاج، أي يبس واصفر، ثم تحطم، ثم تفرق بالرياح واضمحل. انتهى.قيل: {الكفار}: الزراع، من كفر الحب، أي ستره في الأرض، وخصوا بالذكر لأنهم أهل البصر بالنبات والفلاحة، فلا يعجبهم إلا المعجب حقيقة.وقيل: من الكفر بالله، لأنهم أشدّ تعظيمًا للدنيا وإعجابًا بمحاسنها؛ وحطام: بناء مبالغة كعجاب.وقرئ: {مصفارًا}.ولما ذكر ما يؤول إليه أمر الدنيا من الفناء، ذكر ما هو ثابت دائم من أمر الآخرة من العذاب الشديد، ومن رضاه الذي هو سبب النعيم. اهـ.
|